مغامرة عراقية
عزيزتي القارئة / عزيزي القارئ
اود أن اكتب في هذه المقالة عن سفري إلى العراق الذي استمر لمدة أسبوعين
أتمنى أن تجدوها مفيدة و مثيرة
في ٢٠١٧ قررنا السفر إلى العراق الذي هو وطن أبي الأصلي و وطني الثاني. لم ازر هذا البلد سابقا و كنت أشعر بالقلق قليلاً بسبب لقائي الأول مع أقاربي هناك. لم استطع اكمال امتحاناتي قبل السفر لذلك اخذت معي بعض الكتب كي ادرس هناك، لكني لم استطع الدراسة أثناء تلك الفترة بسبب التجارب الجديدة التي خضتها في العراق. حجزنا تذاكر الطائرة في أحد المكاتب السياحية في الربيع و بدأنا نجهز انفسنا على هذه المغامرة. انطلقنا في منتصف شهر مايو و للأسف اجبرنا أن نحول الطائرة في مدينة إسطنبول. و هناك اظطررنا الانتظار لحوالي سبعة ساعات في المطار، لكن هذه المدة انقضت كأنها لحظة من الزمن. تسوقنا، اكلنا، تمشينا في مطار إسطنبول. كان هناك الكثير من المسافرين الآسيوين الذين كانوا يتحدثون بمختلف اللغات. في الطريق من اسطنبول الى بغداد لم تكن الطائرة مليئة بالمسافرين، لكن هذا الشيء لم يزعجني لاني غالباً ما اكون متشنجا في الطائرات. استطعت أن اتحمل الطريق بفضل نبرة صوت قائد الطائرة الذي كان هادئا و من الهبوط المريح. حين لامست اقدامنا أرض العراق احسسنا بالنسيم الشرقي الدافئ الذي لم أحس بمثله في حياتي من قبل. درجة الحرارة كانت ٣٢ درجة مئوية في الساعة الثانية ليلاً. مطار بغداد كان نظيفا و هادئاً للغاية و العاملين الهنود ساعدونا في حمل حقائبنا الى الخارج مقابل مبلغ بسيط من المال
في خارج المطار وجدنا تاكسي أخذنا معه إلى ساحة ابن فرناس حيث كان ابن عمتي بانتظارنا. لم يستطع الوصول إلى المطار بسبب الإجراءات الأمنية الشديدة. لقائي الأول مع ابن عمتي كان مؤثرا و ظريفا، حيث كان يمزح معنا على طول الطريق. في البداية كان التواصل صعباً علي، عندما تحدثنا مع بعضنا البعض. تعودت على استخدام الفصحى في الجامعة لكن الناس هناك يتكلمون بلهجتهم الخاصة (اللهجة العراقية). ابي علمني العامية قليلاً حين كنت صغيراً، لكن لهجة العراقيين خاصة و تحتاج وقت للتعود عليها. قبل رحلتي الى العراق تحدثت مع اصحابي العرب بالفصحى او باللغة الإنكليزية. بعدها قررت تسجيل كل الكلمات و المفردات الجديدة بهاتفي، بحيث استطيع حفظها. استغرق الطريق ٣٠ دقيقة من ساحة ابن فرناس الى بيت عمتي. أثناء الطريق كان علينا التوقف عند مفارز التفتيش (سيطرات)، لكن حركة المرور كانت سريعة و غير مزدحمة نظراً للساعة المتأخرة من الليل. بيت عمتي فاره و جميل جدا، يحتوي على العديد من الغرف في طابقين و تتصل به حديقة صغيرة. عائلتي العراقية حضرت لنا وليمة شهية لكنني فقدت الشهية بسبب متاعب السفر
في صباح اليوم التالي ترك أبي البيت مبكراً لإنشغاله ببعض الإجراءات الرسمية، و بقينا أنا و أمي مع عمتي و عائلتها، حيث قمت بدور المترجم. في نفس لليوم زرنا مول كبير. على فكرة، في بغداد توجد الكثير من المولات الحديثة. المولات العراقية تشبه المولات المجرية لكن هناك يوجد تفتيش خفيف قبل الدخول هناك لاسباب معروفة. الأشخاص الذين يشرفون على عمليات التفتيش لطفاء في كل مكان، و بصراحة الانسان الأوروبي غير متعود على هذا اللطف
ذهبنا إلى مطعم في تلك الليلة، كان هناك منظر طبيعي رائع جدا. اطلنا من المطعم على نهر دجلة حيث أن رائحة النهر ذات نكهةخاصة و لا يمكن نسيانها
بالنسبة للأسعار يعتبر العراق بلدا رخيصا، لكن اسعار المطاعم الانيقة ذات الخمسة نجوم مشابهة لاسعار المطاعم المجرية الانيقة. الأكلة الرئيسية تكلف حوالي ٣-٥ آلاف فورنت (١٠-١٧ يورو)، و بشكل عام السعر يحتوي على العديد من المقبلات و قناني الماء حيث يتم تقديم هذه المأكولات مجاناً قبل الأكل سوا كان المطعم راقياً أم لا. اما في المطاعم العامة فالأسعار رخيصة، و توجد هناك أماكن لا تكلف فيها المأكولات سوى ٣٠٠ فورنت (١-٢ يورو). مستوى الطعام ممتاز في كل مكان تقريبا، لم اتناول اكلة فاسدة أو غير لذيذة في العراق. في هذا المطعم كان العمال من جنسيات مختلفة,معظمهم من لبنان و مصر و من بعض الدول الافريقية.
بعد ذلك بذلنا جهداً للتعرف على أقاربنا عن قريب. إلى جانب هذا زرنا اماكن مشهورة و مثيرة في بغداد. درجة الحرارة كانت ٤٤ و أن تحمل هذه الحرارة يتطلب صبراً. كانت توجد مشاكل مع الكهرباء لذلك عجزنا عن استخدام المروحية أو جهاز التبريد على طول اليوم. العراقيون يستخدمون مولدات كهربائية خارجية لتشغيل اجهزتهم، حين تنقطع الكهرباء الوطنية عنهم. الكهرباء الوطنية عادةً ما تجهز البيوت يومياً لمدة عشر ساعات متقطعة. أن مشكلة الكهرباء في العراق حالياً في طريقها إلى الحل حسب ما ذكر لي احد أقاربي. حاولنا أن نحصل على معلومات من الناس عن اسباب مشكلة الكهرباء حيث قال بعضهم ان الأسلاك قديمة اما البعض الآخر فقد ذكر بأن الكثير من المستهلكين لا يدفعون فواتير الكهرباء للدولة
قمنا بزيارة شارع المتنبي الشهير في بغداد حيث يستطيع الإنسان أن يحصل على أي كتاب يرغب بشرائه و قراءته. توجد هناك كتب و مجلات عربية، انكليزية، فرانسية الخ. اشترينا مجموعة من الكتب العربية و لم نهتم بكيفية نقلها في حقائبنا يوم الرجوع الى المجر و لكن في نهاية المطاف نجحنا في نقل أغراضنا إلى بلدنا بدون اي صعوبة تذكر
في احد الأيام ذهبنا إلى المتحف البغدادي الذي أسس في عام ١٩٧٠، و الغاية منه استعراض حياة الإنسان العراقي اليومية في بغداد في فترات مختلفة. هذا المكان معروف بأجوائه الخاصة حيث كانت هناك تسجيلات صوتية و دمى بالحجم الطبيعي
في تلك الليلة ذهبنا إلى ملهى يقع في احد مراكز المدينة و تمتعنا معا لمدة ساعتين. بعدها ذهبنا الى مطعم يطبخ اكلة والدي المفضلة و هي 'الباجة' لكني و أمي لم نذقها. بعد وصولي إلى بغداد اثار إنتباهي وجود الكثير من الأجانب الذين يعملون في شتى الاعمال. الجدير بالذكر أن العراق استقبل حوالي ٤٠٠ ألف لاجئا سورياً في السنوات الماضية و رأيت الكثير منهم أثناء الفترة الوجيزة التي قضيتها هناك. بعضهم يعمل في مكان ما اما البعض الآخر يعيش في ظروف صعبة و يتسول في الشوارع للأسف. بقينا خمسة ايام في العاصمة ثم قمنا بزيارة إلى كربلاء المقدسة. هذه المدينة تبعد حوالي ٩٠ كيلومتر عن بغداد و معظم اقاربنا يعيش هناك. تعتبر هذه المدينة المقدسة مركزاً اقتصادياً و دينياً و سياحياً و يزورها الملايين من الزوار سنوياً و يوجد هناك مقام الامام الحسين و اخيه العباس عليهم السلام. الحسين حفيد الرسول و هو كان الإمام الثالث عند الشيعة الذي استشهد في معركة كربلاء في عام ٦٨٠
حين تمشي في شوارع المدينة تشعر كأنك في معهد لتدريس اللغات الاجنبية. السياحة الدينية تلعب دوراً فعالاً في اقتصاد المدينة و البلد. مقام الحسين له اهمية كبيرة في عقيدة الشيعة و أنا فخور بزيارتي له. للأسف كان التصوير ممنوعا في داخل الحرم لكني استطعت تصوير الحرم من الخارج و لكن بسرية تامة. بعد ذلك زرنا مقبرة المدينة حيث ترقد جدتي و جدي و كل الأقارب الذين رحلوا عن عالمنا. هذه المقبرة لا تشبه المقابر الاوربية كما تشاهدون في هذه الصورة
بعد رحلتنا إلى كربلاء رجعنا إلى العاصمة بغداد. شاهدنا بعض المعالم و تمثالي المفضل نصب كهرمانة. وهو عبارة عن تمثال ذهبي في بغداد لفتاة هي كهرمانة، الشخصية المشهورة في حكاية علي بابا، والتي تظهر واقفة وهي تحمل جرة كبيرة تصب منها الزيت على أربعين جرة تطل منها رؤوس أربعين لصاً
في احد أيام الرحلة الاخيرة زرنا الكاظمية وهي أحد مناطق بغداد حيث كان أبي يسكن هناك قبل أن يهرب الى اوروبا خوفاً من بطش النظام السابق. كان من الصعب الدخول إليها لأن التفتيش كان صارما في سيطرة المدينة بسبب الانفجارات المتكررة التي كانت تحدث في الماضي. فتشت الشرطة سيارات الجميع و كذلك السيارة التي كانت تقلنا. لوحة سيارة إبن عمتي من أربيل لذلك وجهت الينا العديد من الأسئلة عن سبب توجهنا إلى هذا الحي. اظطررنا الانتظار لمدة نصف ساعة بعدها تم السماح لنا بدخول الحي. شاهدنا الكثير من الزوار في الكاظمية بسبب وجود مقام الكاظمين
في اليوم الاخير جهزنا أنفسنا للعودة الى المجر. حيث انطلقت الطائرة في الساعة الثالثة فجراً حيث توجب علينا الحضور قبل ثلاث ساعات من موعد انطلاق الطائرة. كانت رحلتي إلى العراق ممتعة و مثيرة و لا يمكن نسيانها. شعرت بحضارتها القديمة الساحرة التي شهدت مراحل عديدة و قديمة من الحضارات المختلفة التي حكمت هذا البلد. اما العراقيين فاستطيع أن أقول إن تعاملهم و سلوكهم مع الاجانب لا يمكن مقارنته مع شعوب أوروبا و لم ار سلوكا أو تصرفا كيديا. أما كرم العراقيين و العرب بصورة عامة و حبهم للضيف الاجنبي يمكن اعتباره مثالاً يحتذى به. لو لم تكن هناك حروبا و فسادا سياسيا لاصبح العراق بلدا سياحياً عالمياً من الدرجة الاولى
Facebook: https://www.facebook.com/Arabisztika-blog-117185638956841/